يحكى أن مدينة كانت محاطة بسور منيع وكان ناموس أهل تلك المدينة أن لا يحكمهم ملك أكثر من عام فإذا أتم الملك العام في الحكم ألبسوه ثوباً أبيض وعطروه وحملوه على الأكتاف وطافوا به البلد، ثم أرسلوه إلى جزيرة مهجورة ليمضي بقية عمره هناك أنهى أحد الملوك فترة حكمه وكعادتهم ألبسوه ثوبا أبيض وعطروه وحملوه على الأكتاف، وأخذوا يطوفون به في أنحاء المدينة قائلين له وداعاً.
وكانت هذه اللحظة من أصعب لحظات الحزن والألم على الملك وجميع من كان قبله ثم بعد ذلك وضعوه في السفينة التي قامت بنقله إلى الجزيرة البعيدة حيث يكمل فيها بقية عمره، ورجعت السفينة إلى المدينة وفي طريق العودة اكتشفوا إحدى السفن التي غرقت منذ وقت قريب ورأوا شاباً متعلقاً بقطعة عائمة من الخشب فأنقذوه وأخذوه إلى مدينتهم وطلبوا منه أن يكون ملكاً عليهم لمدة سنة واحدة.
لكنه رفض في البداية ثم وافق بعد ذلك وأخبروه بالقانون الذي يسود في المدينة وأنه بعد مرور سنة سوف يُحمل إلى تلك الجزيرة بعد ثلاث أيام من تولي الشاب للعرش، طلب أن يزور الجزيرة فرأها وقد خطتها الغابات الكثيفة، وسمع فيها أصوت الحيوانات الشريرة وهي تنطلق في أنحاء الجزيرة ووجد جثث الملوك السابقين ملقاة على الأرض عندئذ عاد الملك إلى مدينته وجمع ۱۰۰ عامل قوي وأخذهم إلى الجزيرة.
وأمرهم بتنظيف الغابة وبناء قصر ومرسي للسفن وكان يزور الجزيرة مرة في الشهر ليطمئن على سير العمل وكان العمل يتقدم بخطوات سريعة وبمرور الوقت تحولت الجزيرة إلى مكان جميل وقد كان الملك ذكياً، فكان يلبس الملابس البسيطة وينفق القليل على حياته في المدينة في مقابل أنه كان يكرس أمواله التي وُهبت له في إعمار هذه الجزيرة.
الحياة هي تلك المدينة وكل واحد فينا هو ملك مؤقت يدير حياته بالشكل الذي يحلو له ويوماً ما سیلبس الثوب الأبيض الذي لبسه كل المغادرون قبله وسیعطر ويحمل على الأكتاف إلى تلك الجزيرة فمن عمر المدينة وأهمل الجزيرة فسيرتحل إلى خرابة وسيكون حزيناً.
يوم رحيله لانه انتقل من نعیم مؤقت إلى شقاء دائم ومن كان ذكياً واستغل فترة حكمه لتحويل الجزيرة المهجورة إلى جنة فيكون سعيدا يوم يُغادر سيكون كسجين أًُُعتق من الهموم والمسؤوليات والأمراض والأوجاع وسيبدو كما هو.