لما توسعه بالفتوحات وبدا ينتشر الإسلام جعل يرسل الدعوة القبائل إلى الإسلام وربما احتاج الأمر أن يرسل جيشاً وكان عدي بن حاتم الطائي ملكا ابن.
أرسل النبي لا جيشا إلى قبيلة « طبي » وكان من الحرب قلما يشهدها واحتمى بالروم في الشام وصل جيش المسلمين إلى ديار طيئ كانت هزيمة طيئ سهلة.
فلا ملك يقود ولا جيش مرتب وكان المسلمون في حروبهم يحسنون إلى الناس ويعطفون وهم في قتال كان المقصود صد کید قوم عدي عن المسلمين وإظهار قوة المسلمين لهم.
أسر المسلمون بعض قوم عدي وكان من بينهم أخت لعدي بن حاتم مضوا بالأسرى إلى المدينة حيث رسول الله، وأخبروا النبي بقرار عدي إلى الشام.
فعجب من فراره !! كيف يفر من الدين؟ كيف يترك قومه؟ ولكن لم يكن إلى الوصول إلى علي سبيل لم يطب المقام لعدي في ديارالروم فاضطر للرجوع لديار العرب.
ثم لم يجد بدا من أن يذهب إلى المدينة للقاء النبي ومصالحته أو التفاهم على شيء يرضيهما يقول عدي وهو يحكي قصة ذهابه إلى المدينة ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله مني.
وكنت على دين النصرانية وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي فلما سمعت برسول الله با كرهته كراهية شديدة فخرجت حتی قدمت الروم على قيصر.
قال : فكرهت مكاني ذلك فقلت: والله لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يضرني وإن كان صادقا علمت فقدمت فاتيته فلما دخلت المدينة جعل الناس يقولون:
هذا عدي بن حاتم هذا عدي بن حاتم فمشيت حتى أتيت فدخلت على رسول الله في المسجد؛ فقال لي: «عدي بن حاتم ؟» قلت: عدي بن حاتم فرح النبي بمقدمة واحتفى به مع أن عدياً محارب للمسلمين وفار من الحرب.
ومبغض للإسلام ولاجئ إلى النصاری ومع ذلك لقيه بالبشاشة والبشر وأخذ بيده يسوقه معه إلى بيته عدي وهو يمشي بجانب النبي و يرى أن الرأسين متساويان.
فمحمد ملك على المدينة وما حولها وعدي ملك على جبال طبي وما حولها ومحمد على دين سماوي « الإسلام » وعدي على دين سماوي « النصرانية » ومحمد ا عنده كتاب منزل « القرآن ».
وعدي عنده كتاب منزل « الإنجيل » كان عدي يشعر أنه لا فرق بينهما إلا في القوة والجيش في أثناء الطريق وقعت ثلاثة مواقفا: بينما هما يمشيان إذا بامرأة قد وقفت في وسط الطريق فجعلت تصيح:
یا رسول الله لي إليك حاجة فانتزع النبي ايده من يد عدي، ومضى إليها وجعل يستمع إلى حاجتها عدي بن حاتم الذي قد عرف الملوك والوزراء جعل ينظر إلى هذا المشهد.
ويقارن تعامل النبي مع الناس بتعامل من رآهم من قبل من الرؤساء والسادة فتأمل طويلا ثم قال: والله ما هذه بأخلاق الملوك هذه أخلاق الأنبياء.
وانتهت المرأة من حاجتها فعاد النبي إلى عدي ومضيا يمشيان فبينما هما كذلك فإذا برجل يقبل على النبي فماذا قال الرجل؟ هل قال: يا رسول الله، عندي أموال زائدة أبحث لها عن فقير؟! أم قال: حصدت.
أرضي وزاد عندي الثمر فماذا أفعل به ؟ يا ليته قال شيئا من ذلك لعل عديا إذا سمعه يشعر بغنى المسلمين وكثرة أموالهم قال الرجل: يا رسول الله.
أشكو إليك الفاقة والفقرفلا يكاد هذا الرجل يجد طعاما يسد به جوعة أولاده ومن حوله من المسلمين يعيشون على الكفاف ليس عندهم ما يساعدونه به قال الرجل هذه الكلمات وعدي يسع فأجابه النبي بكلمات ومضی فلما مشيا خطوات.
أقبل رجل آخرقال : يا رسول الله، أشكو إليك قطع الطريق أننا یا رسول الله لكثرة أعدائنا حولنا لا تأمن أن تخرج عن بنيان المدينة الكثرة من يعترضنا من كفار أو الصوص أجابه التي يكلمات ومضى.
جعل عدي يقلب الأمر في نفسه هو في عز و شرف في قومه وليس له أعداء يتربصون به فلماذا يدخل هذا الدين الذي أهله في ضعف و مسکنة وفقر وحاجة وصلا إلى بيت النبي فدخلا.
فإذا وسادة واحدة فدفعها النبي إلى عدي إكراما له، وقال: « خذ هذه فجلس عليها، فدفعها عدي إليه وقال: بل اجلس عليها أنت فقال: « بل أنت حتى استقرت عند عدي، فجلس عليها عندها.
بدأ النبي يحطم الحواجز بين عدي والإسلام يا عدي أسلم تسلم أسلم تسلم أسلم تسلم قال عدي إني على دين فقال انا اعلم بدينك منك قال: أنت أعلم بديني مني؟ قال ألست من الركوسية ؟
والركوسية ديانة نصرانية مشربة بشيء من المجوسية فمن مهارته في الإقناع أنه لم يقل: الست نصرانيا وإنما تجاوز هذه المعلومة إلى معلومة أدق منها فأخبره بمذهبه في النصرانية تحديدا.
كما لو لقيك شخص في أحد بلاد أوروبا وقال لك : لماذا لا تنتصر فقلت: إني على دين فلم يقل لك: الست مسلما ولم يقل: الست سنياً وإنما قال: الست شافعا أو حنبليا.
عندها ستدرك أنه يعرف كل شيء عن دینك فهذا الذي فعله المعلم الأول مع عدي قال : « ألست من الركوسية ؟ فقال عدي: بلی فقال له « فإنك إذا غزوت مع قومك تأكل فيهم المرباع ؟ » قال:
بلی فقال ” فإن هذا لا يحل لك في دينك فتضعضع لها عدي وقال:نعم فقال: « أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام أنك تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب ياعدي.
أتعرف الحيرة ؟ قلت : لم أرها، وقد سمعت بها قال: « فوالذي نفسي بيده لیتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد » أي:
سيقوى الإسلام إلى درجة أن المرأة المسلمة الحاجة تخرج من الحيرة حتى تصل إلى مكة ليس معها إلا محرم من غير أحد يحميها و تمر على مئات القبائل ، فلا يجرؤ أحد أن يعتدي عليها أو يسلبها مالها.
لأن المسلمين صارت لهم قوة وهيبة إلى درجة أن أحدا لا يجرؤ على التعرض لمسلم خوفا من انتصار المسلمين له فلما سمع عدي ذلك جعل يتصور المنظر في ذهنه.
امرأة تخرج من العراق حتى تصل إلى مكة معنى ذلك أنها ستمر بشمال الجزيرة يعني ستمر بجبال طيئ دیار قومه فتعجب عدي، وقال في نفسه: فاین عنها ذعار طيئ الذين سعروا البلاد!!
ثم قال : « وليفتحن كنوز کسری بن هرمز قال : كنوز ابن هرمز؟ قال : نعم، کسری بن هرمز ولتنفقن أمواله في سبيل الله ) قال: « ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدا يقبله منه.
يعني من كثرة المال يخرج الغني يطوف بصدقته لا يجد فقيرا يعطيه إياها ثم بدأ يعظ عديا ويذكره بالآخرة فقال : « وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه تر جمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جنهم ».
سکت عدی متفکرا ففاجأه قائلا: « يا عدي ما يفرك أن تقول: لا إله إلا الله ! أو تعلم من إله أعظم من الله قال عدي: فإني حنیف مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتهلل وجه النبي فرحا مستبشرا.
قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار ولقد كنت فيمن فتح کنوز کسری والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله قد قالها.
فتأمل كيف كان هذا الأنس منه العدي وهذا الاحتفاء الذي قابله به حتی شعر به عدي تأمل كيف كان كل ذلك جاذبا لعدي للدخول في الإسلام فلو مارسنا هذا الحب مع الناس مهما كانوا الملكنا قلوبهم .