يروي “ليوناردو دافنشي” في كتابه “الأعمال الأدبية”، القصة التالية: تسلَّقَ رجلٌ شجرةَ تين، وكان يحني أغصانها نحوه، ويقطفُ ثمارها الناضجة، ويُلقيها في فمه.
عندما رأتْ شجرةُ الكستناءِ هذا المشهد، قالتْ للتينةِ باستعلاء: أيتُها التينةُ المسكينة، إن حمايةَ الطبيعةِ لكِ أقلُّ بكثيرِ من حمايتها لي.
انظري كيف تضعُ ثماري داخل لِباسٍ مُحْكَمٍ وثيق، فهي تُغلفها أولاً بأغلفةٍ طرية، فوقها قشرة قاسية ولم تكتفِ الطبيعةُ بكلِّ هذه العناية، فأعطتْنا هذه النُتوءات الحادة المُستدِقَّة المُتلاصقة، بحيث لا تستطيع يدُ الإنسان أن تُؤذينا!
ضحكتْ شجرةُ التينِ من قولِ شجرةِ الكستناءِ طويلاً، وقالتْ لها: إنكِ تعرفين جيداً أن الإنسان عنده من البراعةِ والإبداعِ ما يُمكِّنُه من قطفِ ثمارك، إنه يفعلُ ذلك بالعصي والحجارة!
وعندما تتساقطُ ثمارك يدوسُها بقدميه، أو يكسرُها بالحجارةِ ويأكلُ ما فيها يا عزيزتي كلانا يُؤكل ثمره، ولكن كل واحدةٍ منا بطريقة، أنا بطريقةٍ ناعمة، وأنتِ بطريقةٍ خشنة!
يُعجبني الإنسان اللَّيِّن، لا تأسرني الشهادات، ولا تفتِنِّي الألقاب، ولا يعنيني كم تملك، كل هذه الأشياء لكَ، أما لينك وتواضعك فهذا ما يُمسكُ بزمامِ قلبي!
يُعجبني ذلكَ الذي يختارُ كلامه بدقةٍ كي لا يجرح أحداً، فتجده إذا نطقَ كأنما يربتُ على كتفٍ، وإذا قالَ كأنما يجبرُ خاطراً، وإذا تحدَّثَ فكأنما يخيطُ جرحاً!
يُعجبني ذلك الذي يلينُ للبُسطاء، يبتسمُ في وجه عاملِ المحطة، ويرقُّ لحمَّالِ الأكياسِ في الاستهلاكيات، ويتغاضى عن السِّعرِ قليلاً لبائعٍ متجوِّلٍ يحسبُ استغفاله هذا صدقة خفيَّة، ويرى انخداعه القليل صفقة رابحة!
يُعجبني ذلك الذي إذا دخلَ إلى بيته دخلتْ معه السعادة والفرحة والطمأنينة، يُهدِّئُ من روعِ زوجةٍ، ويُطَمْئِنُ ولداً، ويُعانقُ بنتاً، كالمطرِ إذا حلَّ استبشرَ به الناس!
يُعجبني ذلك الذي يألفُ ويُؤلفُ، يحبُّ الخير للناس، ويرى نجاحهم لا يُنقص من نجاحه، وما لهم ليس مأخوذاً منه، ويدعو للجميعِ بالبركة.
يُعجبني ذلك الذي يرى الدنيا دار عبور، وأن خيرَ ما يأخذه معه المرء من زادٍ هو العمل الصالح، وخيرَ ما يتركه خلفه حُسن الأثر! فاللهم اجعلنا ليِّنين، وأحِطْنا باللينين!