قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: ما من أمير عَشَرةٍ، إلا وهو يُؤتى به يوم القيامة مغلولاً، حتى يفكَّه العدل، أو يوبقه الجور!
والأميرُ هو كل وليَ من أمور المسلمين شيئاً، بدءاً برئيس الدولة وانتهاءً بربّ الأسرة، فكل صاحب مسؤولية هو أمير في مجاله!
ويخبرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ كل من تولى منصباً جاء يوم القيامة مقيداً، فإن كان عادلاً فكَّه العدل وأطلقه، وإن كان ظالماً أهلكه ظلمه!
فقدَ امير المؤمنين علي بن ابي طالب درعاً في زمن خلافته، وكانت هذه الدرع عزيزة عليه، فوجدها في يد ذميٍّ من أهل الكوفة يعرضها للبيع في السوق، فقال له: هذه درعي سقطتْ مني في ليلة كذا!
ولكن الرجل أبى أن يعترف ويعيد الدرع، وطلب الاحتكام الى القاضي! ويذهبُ الخليفة برفقة خصمه إلى شُريح القاضي.
فقال شُريح لعليِّ: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال: وجدتُ درعي مع هذا الرجل، وقد سقطتْ مني في ليلة كذا، فلم أبعها له ولم أهبها، فكيف صارتْ له؟
فالتفتَ القاضي إلى الذِّميِّ وسأله عن قوله، فأصرَّ أن الدرع له فقال شُريح لعليِّ: يا أمير المؤمنين لا ريب عندي أنك صادق، ولكن البينة على من ادِّعى، واليمين على من أنكر، فهل عندك من بيِّنة؟!
فقال عليُّ: يشهدُ ابناي الحسن والحسين بذلكَ فقال له شُريح: لا يشهدُ الرجلُ لأبيه يا أمير المؤمنين وطلب من الذِّميِّ أن يحلف أن الدرع له، فحلفِ، فقضى له بها، وأخذها ومضى!
وبعد أن سار قليلاً، عاد ليرجع الدرع، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لما رأى من عدل المسلمين في القضاء
كان شُريح يعرف أن أمير المؤمنين صادق، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة لن يكذبا، ولكن القانون واضح، فطبَّقه بالحرف ولو على الخليفة!
فيا أيها الذي تولَّى التقرير في شأن منح الوظائف، هل أعطيتها للأكفأ أم للذي جاءك من طرف فُلان؟! ويا مدير مخفر الشرطة هل طبقتَ القانون على الجميع بالتساوي أم أطلقتَ أبن المسؤول، وسجنتَ ابن المواطن؟!
ويا أيها المدير هل عدلتَ بين موظفيك، أم حابيتَ؟! ويا أيها الأب هل عدلتَ في الأعطيات بين أولادك أم ميَّزت؟!
كل واحدٍ منا أمير في مجاله، والله ناظرٌ إليه فيما استرعاه من رعية، وما حمَّله من مسؤولية، فاعملوا ليوم نأتي فيه مقيدين، فيفكنا العدل أو يهلكنا الظلم!