لا يعلم الغيب إلا الله عزوجل ولقد استأثر الله تعالى بعلمه حين قال في سورة النمل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} {سورة النمل ، الآية رقم 65}
وأكد الله عز وجل على ذلك في سورة الأنعام حين قال : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} {سورة الأنعام ، الآية 59}
ومن هنا نروي قصة حدثت مع سيدنا موسى عليه السلام، كان سيدنا موسى برحلة وفي أثناء تلك الرحلة وجد بئرًا فشرب منه وجلس بظلٍ شجرةٍ ليستظل بها، وبعد فترة رأى فارسًا ينزل من على فرسه لكي يشرب من هذا البئر ، ولما شرب الفارس من البئر ركب فرسه وغادر ولكن أثناء ذلك وقع منه كيسًا به نقود بجوار هذا البئر.
وبعد فترة وجيزة حضر صبي وشرب من هذا البئر وبينما هو هناك شاهد الكيس الذي كان قد وقع من الفارس على الأرض فأخذ الكيس ومضى إلى طريقه وبعد فترة من الوقت جاء رجلٌ كبيرٌ في السن شرب من البئر ثم نام بجواره فلما فطن الفارس لضياع كيس النقود منه بجوار البئر عاد كي يحضره فوجد الرجل المسن يرقد بجوار البئر فسأله الفارس الشاب أين كيسي؟
فأخبره الرجل المسن بأنه لا يعرف شيئًا عن هذا الكيس ولم يجد شيئًا، فلكمه الفارس لكمة فأرداه قتيلًا ومات الشيخ الكبير من شدة ضربة الفارس، ولأن سيدنا موسى كان لا يعلم الغيب فسر تلك الحادثة، وقال لنفسه إن اللص قد نجا وهو الصبي الصغير الذي أخذ الكيس والمظلوم قد قتل فقال له الله عز وجل من فوق سبع سماوات:
يا كليمي أنت خلقت العباد أم أنا ؟ فقال سيدنا موسى عليه السلام أنت يا ربي، فقال الله عز وجل: هذا الفارس كان قد اغتصب من والد هذا الصبي مائة دينار فأعيدت إلى ولده ومن ثلاثون عامًا قتل هذا الشيخ الكبير والد هذا الفارس ولم يكن الفارس يعلم من قتل أباه.
وهنا أدرك سيدنا موسي قيمة أنه لا يعلم الغيب إلا الله عزوجل، وأن الله عزوجل هو الحكيم العليم بعباده حيث يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :{إِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُصْلِحُ إِيْمَانَهُ إِلاَّ الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لا يُصْلِحُ إِيْمَانَهُ إِلاَّ الْفَقْرُ، وَلَوْ بَسَطْتُ لَهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُصْلِحُ إِيْمَانَهُ إِلاَّ الصِّحَّةُ ، وَلَوْ أَسْقَمْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُصْلِحُ إِيْمَانَهُ إِلاَّ السَّقَمُ ، وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ ، إِنِّي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي بِعِلْمِي، إِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
فقد أخفى االله عزوجل علينا الكثير من الأمور رحمة بنا فسبحان مسير الدنيا وعالم خفاياها فصدق الشاعر حين قال عن قدرته عز وجل: دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها * ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها * يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ لا تسهرن إذا ما الرزق ضاق ونَمْ * في ظل عيش رقيق ناعم البال فبين غفوة عين وانتباهتها * يقلّب الدهر من حال إلى حال