معجزة هود عليه السلام بعث الله سبحانه و تعالى رسلاً إلى خلقه ليبلّغوا النّاس دين التّوحيد فيكون ذلك حجّة على الخلق حين يقفون بين يدي الله ليحاسبهم على أعمالهم و قد أنزل الله سبحانه على رسله كتباً و شرائع تبيّن للنّاس طريقهم و تهديهم سبيلهم.
وقد ذكر الله سبحانه و تعالى في محكم التّنزيل قصصاً عن الأقوام السّابقة الذين رفضوا دين التّوحيد و أصّروا على الباطل فعبدوا الأصنام و ارتكبوا المنكرات و جحدوا الرّسل، و كان من بين هؤلاء قوم عادٍ الذين أرسل الله سبحانه و تعالى لهم نبيّه هوداً ليدعوهم إلى دين الله و عدم الإشراك به، فما هي صفة هؤلاء القوم؟
وما كان موقفهم اتجاه رسولهم و ما هو العذاب الذي حلّ بهم كان قوم عاد من القبائل العربيّة البائدة التي سكنت منطقة سمّيت بالأحقاف في جنوب شبه الجزيرة العربيّة، و قد استوطنوا تلك المنطقة و بنوا فيها المباني الشّاهقة مستغلّين ما منحهم الله إيّاه من القوّة الجسديّة.
وبدل أن يستخدموها في طاعة الله سبحانه و إعمار الأرض راحوا يعبثون في غيّهم و ضلالهم و يتنافسون في البنيان و صنعته و في ظنّهم أنّهم خالدون على وجه الأرض و مادروا أنّه لو دامت الدّنيا لغيرهم ما وصلت إليهم و قد وصف الله مدينتهم إرم ذات العماد الشّاهقة التي لم يخلق لها مثيل و لا شبيه في بلاد الله آنذاك.
ولمّا جاءهم هودٌ يدعوهم إلى عبادة الله وحده من بعد أن اتخذوا الأصنام ما كان جواب قومه إلا قولهم أنّا وجدنا آباءنا على ما نحن عليه و إنّا على آثارهم مقتدون فأصرّ القوم على الكفر و استكبروا و رفضوا دعوة نبيّهم للتّوحيد فخوّفهم هودٌ بالله تعالى و بطشه و ذكّرهم بنعمه عليهم و ما منحهم إيّاه من الخير و القوّة في الجسد و الاستخلاف في الأرض من بعد قوم نوح.
فما زادهم هذا التّذكير إلا تكذيباً و عتوّاً، فتولّى عنهم هوداً متأسّفاً لما سيحلّ بهم من عذاب الله و بطشه بالظّالمين، و بينما كان القوم يتقلّبون في ضلالاتهم و متعهم الزّائفة إذا هم يرون سحاباً يأتي من بعيدٍ مقبلٍ عليهم فيتوهّمون أنّه خيرٌ قد ساقه الله لهم.
و ما علم القوم بأنّ هذه الرّيح العقيم ما هي إلا عذابٌ شديدٌ قد أعدّه الله لهم عقاباً على كفرهم و نجى الله هوداً و الذين آمنوا معه من خزي ذلك اليوم و شملهم برحمته.