ما اشد حظ هذه الانثى إذ منحتها الايام فرصة الكتابة الاخيرة إليه
ليس لدي ما أكتبه لهم عنك
لدي فقط ما أكتبه مني لك
إقترب مني، اقترب وحسب
لاتمنح عينيك فرصة الامتلاء بالدموع الآن تمهل، لاتتعجل بالبكاء، اريدك ان تقرأني بوضوح، تقبل النبأ المؤلم بايمان تام لاتننظر قميصي الملطخ بدم الذئب فلا ذنب للذئب برحيلي. ولاتنتظر بشارة عودتي تلقى على قلبك يوماً فيرتد فرحاً فما لرحيلي هذا من عودة.
إقترب مني ! فربما لا يتسع العمر لإبتعاد آخر لأني أكتب لك من أمام بوابة غيبوبة لا أعلم متى ستفتح أبوابها لذاكرتي سامحني ، وعدتك ألا أتوقف عن حبك أبدا لم أخلف بوعدي بل أخلف المرض وعده معي طرق بابي في وقت مبكر من العمر ، صدقني ، كم تمنيت أن يمتد بي هذا العمر كي أحبك أكثر.
كم تمنيت أن أبقى في الوجود فقط كي أستنشق عطر وجودك أكثر كم تمنيت أن أبقى إلى أن أشهد وأعاصر مراحل حياتك من شبابك إلى كهولتك إلى شيخوختك فكثيرا ما كنت أتساءل وأنا أثرثر بك لقلبي: كيف ستكون حين تغزو التجاعيد وجهك؟ كيف ستبدو يوم زفاف أول أبناء؟ كيف سيكون إحساسك عند حمل أول حفيد لك؟ آه لو تدري، کم تعمقت بالإحساس بك کم توغلت في مراحلك کم إبتعدت بخيالي بك.
وكأنني كنت أحاول إختصار الزمان كله في سويعات قليلة كي أعيشه كله بك ومعك، وكأنني كنت أعلم وكنت أشعر وأستشعر أني لن أبقى في عالمهم طويلا وكأنني جئت لهذا الزمان الذي لا يشبهني عابرة سبيل من زماني صدقني لم أخن وعدي لك بل خانتني أقداري لاتجزع! الا إقترب مني، أعطني يد قلبك.
أنصت إلى حروفي فالأمر ليس إشاعة مؤلمة ولا كذبة إبريل لتنتشر فيؤلمني صداها، ظننت ألا ألم يعادل ألم غيابك فكيف تجرأ هذا المرض القوي على هذا الجسد الضعيف. بالأمس سمعهتم يتهامسون يقولون أن غيبوبة قريبة مني ستأخذني منهم وسأغيب حيث لا عودة تری – حبيبي – ما هي الغيبوبة التي ستأخذني منهم؟ وهل سيكون لها قدرة أخذي منك؟
أيعقل أن تكون هذه الغيبوبة من الجور والبطش بحيث تمنعني من التفكير بك والشوق إليك؟ إنهم يتهامسون بي كالسر المؤلم ، لماذا يخفون الأمر عني؟ أنا لا يرعبني الموت الا، يرعبني قليلا فقط لا، ربما يرعبني كثيراً لكنه لا يرعبني بمقدار ما يرعبني فراقك لا يرعبني بمقدار ما يرعبني أن أكون هناك حيث لا أعلم من أمرك شيئا . اعرف قلبي جيدا ، سيفتقدك بجنون وسيشتاق إليك كثيرة وسيخنقه غجره بالوصول إليك.
وكيف لا أفتقدك ؟
كيف لا يرعبني فراقك؟
وأنا إعتدت أن أعيش بك وأمارسك كجدول يومي أنفذك منذ إستيقاظي وأختتم بك يومي إعتدت أن أتتبع حضورك وغيابك إعتدت أن أطارد أنباءك كل صباح إعتدت أن أطمئن عليك كل مساء مرعب أن أنقطع منك وعنك، مرعب جدا . هل أصارحك بشيء ؟ لا يرعبني الموت بمقدار ما يرعبني تخیل وقع النبأ عليك ترى كيف سيصلك نبأ رحيلي؟ وأين ستكون؟ وكيف ستمارس طقوس حزنك علي؟
لم تمنحني يوما حق من حقوقي بك فهل ستمنحني حق الحزن علي سرا وجهرا؟ صدق كيف ستستقبل نبأ الرحيل؟ هل سيمر النبأ مرور الكرام؟ هل ستكون احداهن قريبة منك بحيث تتظاهر بإكمال قراءة صحيفتك اليومية والإكتفاء بالدعاء بالرحمة لامرأة غابت لا يربطك بها سوى الحب؟ أم ستكمل طعامك أمامها بهدوء وأنت بالغ في التبسم لها.
كي لا يفتضح أمر إرتجاجك الداخلي ، وهل ستكمل صباحك في زحامهم؟ وتحتسي قهوتك وكأن الأمرلا يعنيك؟ هل ستبحث عن بقعة أرض تحتويك کي تستتر بها وتبكيني بحرية وألم وإنكسار؟ هل ستحضن طفلك البكر في صدرك وتبكي بحرقة متأخرة؟ هل ستعلن الحداد في بقعة أرض مارست جنوني بك عليها؟ لا أعلم كيف ستخنقني من حياتك؟
كأنثی شدت لك مدن العشق ومحطات الإنتظار المؤلم ومنحتك حتى حق الوداع الأخير قبل الإغماضة الأخيرة الها. سيدي، ليتهم يؤمنون بأمنية ما قبل الموت لتمنيتك، لتمنيت أن تأت المطر عليَّ من أبواب الرحمة كالغيث تطرق الباب علي كالعيد تمد لي يديك وتأخذني معك تسرقني من أنياب الموت تهديني لحظات العمر الأخيرة.