في كتابه “قافلة الأحلام” يروي “إدريس شاه” أن ملك بلاد التترِ قد خرجَ يوماً برفقةِ حاشيته، فمرُّوا على رجلٍ حكيمٍ كان قد اعتزلَ الناس في صَوْمَعَةٍ له.
فلمَّا رآهم قالَ لهم: من يُعطيني منكم مئة دينار فسأقدمُ له نصيحة فقالَ له الملك: ما هذه النصيحة التي تُساوي مئة دينار أيها الحكيم؟
فقالَ له: ادفَعْ أولاً وستعرفُ ثانياً ناوله الملكُ النقود، وهو يتوقَّعُ أن يسمعَ نصيحةً خارقةً، ولكنَّ الحكيم قال له: لا تبدأ شيئاً قبل أن تعرفَ كيف ستُنهيه!
ضحكتْ الحاشية طويلاً، وظنَّتْ أن الحكيم قد قامَ بخداعِ الملك ولكن الملك قالَ لهم: لا تضحكوا، هذه نصيحةٌ قيِّمةٌ فعلاً، ولأهميتها سأكتبها بماءِ الذهبِ على الجدرانِ في قصري!
ولم يمضِ وقت طويل حتى رغبَ أحدُ المتآمرين باغتيالِ الملك، وقدَّمَ رشوةً إلى حلاقه، وأعطاه خنجراً مسموماً وطلبَ منه أن يغرسَهُ في صدرِ الملكِ عندما يحلقُ له شعره.
وفي اليومِ الموعود، جلسَ الملكُ بين يدي حلّاقه، وعندما همَّ بإخراجِ الخنجرِ المسمومِ رأى الجملة الشهيرة على الجدران.
فقالَ في نفسه: إذا فشلتُ فسيقتلني الملك، ويقتلُ كل عائلتي.
وإذا نجحتُ فإن الملك الجديد سيقتلني أيضاً ليُخفي فعلته! وعندما لاحظَ الملكُ خوفَ حلاقه وحيرته، سأله عما به، فما كانَ منه إلا أن أخبره بكلِّ تفاصيلِ المؤامرة!
فألقى الملكُ القبضَ على المُتآمر، وأرسلَ في طلبِ كل الذين كانوا معه يوم اشترى النصيحة، وقال له: أما زلتم تعتقدون أنه قد تمَّ خداعي، أنا لم أشترِ نصيحةً فقط، لقد اشتريتُ حياتي ومُلكي!
قبل أن تبدأَ بأمرٍ فكِّرْ كيف تُنهيه! لا تقل لأحدٍ أحبك ما لم تكن تعنيها من قلبك، لأنَّ هذا جريمة، فلا شيء أقبح من أن توقدَ شمعةً في صدرِ أحدهم ثم تُطفئها!
لا تقُلْ نعم وأنتَ تريدُ أن تقول لا، ستدفعُ بقية عمركَ ندماً لأنك وافقتَ حيث كان يجبُ أن ترفض! المحطةُ التي لا تريدُ أن تصلَ إليها لا تمشِ في الطريقِ المؤديةِ إليها من الأساس!
والأشخاصُ الذين لا تريدُ أن تكونُ مثلهم لا تُصاحبهم منذ البداية! الاختصاصُ الجامعي الذي لا تُريده لا تتورَّط به منذ البداية!
ليس لنا إلا عُمْر واحد، فلنعرف منذ البداية ما نريد!